كثيراً ما يخلط الناس بين هذه المصطلحات الثلاثة، العدوى والالتهاب والإنتان، ويستخدمونها بالتبادل في إشارة إلى أعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة والإصابة بالمرض، ما يؤدي إلى أخطاء في استخدام الأدوية مثل مضادات الالتهاب، وبعضها قد يكون خطيراً على الصحة. فما الاختلاف بين الأنواع الثلاثة؟ وما طريقة العلاج المناسبة لها؟
ما هي العدوى؟
العدوى أو ما يُعرف أيضاً بالخمج (infection) هي غزو الجسم من قبل الكائنات الحية الدقيقة الضارة مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات، وتكاثرها فيه. يمكن أن تصل هذه الكائنات إلى الجسم إما من أشخاص آخرين أو لدغات الحشرات أو الطعام أو الماء أو التربة الملوثة.
تتباين شدة تأثير هذه المسببات على الجسم ما بين الخفيفة إلى الآثار الخطيرة والمميتة. عموماً، تسبب العدوى أعراضاً مثل الاحمرار والتورم والألم والحمى واضطرابات الجهاز الهضمي وتضخم الغدد اللمفاوية.
على سبيل المثال، يهاجم فيروس الإنفلونزا الجهاز التنفسي العلوي مسبباً سيلان الأنف والحمى وألم العضلات. بينما قد تصيب الفطور الجلد مسببة الطفح الجلدي والحكة والبثور، كما في مرض قدم الرياضي، والتهابات الخميرة المهبلية. أما البكتيريا فهي المسبب في التهاب الحلق والتهاب المسالك البولية، والسعال الديكي.
اقرأ أيضاً: ما السر وراء ارتفاع درجة حرارة الجسم عند الإصابة بالعدوى؟
علاج العدوى
لا تحتاج أنواع الأمراض المعدية جميعها إلى علاج، إذ بينما يمكن علاج بعضها باستخدام المضادات الحيوية، فإن بعضها الآخر يزول من تلقاء نفسه وقد يكتفي الطبيب بوصف بعض الأدوية المساعدة على إدارة الأعراض والتخفيف من حدتها. عموماً يمكن تصنيف العلاج وفقاً للمسبب وشدة العدوى إلى:
العدوى البكتيرية
يستهدف علاج العدوى البكتيرية القضاء على البكتيريا المسببة للمرض، وهو ما يتم من خلال المضادات الحيوية. والمضادات الحيوية هي مواد تنتجها البكتيريا أو الفطريات يمكنها القضاء على أنواع أخرى من البكتيريا حصراً، مثل البنسلين والتتراسيكلين والكلورامفينيكول.
لكن ينبغي اختيار النوع المناسب من المضاد الحيوي وفقاً لنوع البكتيريا وبالكمية الدقيقة، حيث إن استخدام النوع غير المتوافق معها، أو كميات غير كافية، يؤدي إلى تطوير البكتيريا جينات تجعل من الصعب على المضادات الحيوية القضاء عليها، وهو ما يُعرف بمقاومة المضادات الحيوية. عموماً، يعتمد نجاح علاج العدوى البكتيرية بالمضادات الحيوية على توفر الشروط التالية:
- تحديد نوع البكتيريا الممرضة من أجل استخدام المضاد الحيوي التي تتأثر به: وهو أحد أكثر الأخطاء شيوعاً، حيث يستخدم البعض المضادات الحيوية واسعة الطيف لعلاج العدوى الفيروسية وليس البكتيرية، مثل الإنفلونزا وعدوى الجهاز التنفسي العلوي الفيروسية أو ما يُعرف بنزلات البرد. على سبيل المثال، وضحت الدراسة المنشورة في المجلة الطبية (eClinical Medicine)، أن المضادات الحيوية وُصِفت لنحو 75% من مرضى كوفيد-19 خلال الفترة ما بين 2020- 2023، إلا أن العامل المسبب لمرض كوفيد-19 هو فيروس وليس بكتيريا، وكان عدد قليل منهم فقط لا تتجاوز نسبته 10% يعاني عدوى بكتيرية.
- استخدام المضاد الحيوي بتركيز مناسب وبما يكفي ليكون فعَالاً: ولكن من دون أن يسبب آثاراً جانبية، إذ لمجرد أن العلاج كان فعالاً في عدوى سابقة قد يعتقد البعض أن تكراره مرة أخرى يساعد في العلاج، لكنه في الحقيقة يؤدي إلى تطوير الأنواع غير المستهدفة مقاومةً للمضاد الحيوي.
- استخدام المضاد الحيوي فترة زمنية كافية لضمان القضاء على العدوى تماماً: وهي حالة غالباً ما يتسبب بها سوء الاستخدام من قبل المرضى، حيث يوقف المريض الكورس العلاجي من تلقاء نفسه، لاعتقاده بأن تحسنه البسيط يعني شفاءه التام، ما يمنح البكتيريا الضعيفة وقتاً لاستعادة قوّتها وتطوير مقاومة للمضاد الحيوي.
اقرأ أيضاً: ربع المضادات الحيوية التي يتم وصفها لا ضرورة لها
العدوى الفيروسية
لا توجد علاجات مضادة للفيروسات محددة لبعض أنواع العدوى الفيروسية الشائعة، مثل نزلات البرد والإنفلونزا، حيث يركز العلاج على إدارة الأعراض بينما يحارب الجهاز المناعي للجسم الفيروس.
في المقابل، بعض أنواع العدوى الفيروسية، مثل إيبولا وإنفلونزا الخنازير، يمكن فيها القضاء على الفيروس وتخليص الجسم منه باستخدام أدوية مضادة للفيروس.
كذلك فإن العدوى الفيروسية المهددة للحياة أو المزمنة (طويلة الأمد)، مثل التهاب الكبد سي والهربس، يمكن علاجها بأدوية مضادة للفيروسات، إذ تساعد المضادات الفيروسية على تثبيط قدرة الفيروس على التكاثر والانتشار داخل الجسم، بحيث لا تظهر أي أعراض أو تكون خفيفة الحدة.
اقرأ أيضاً: لماذا لا توجد مضادات الفيروسات بكثرة؟
العدوى الفطرية
مضادات الفطريات هي أدوية تقتل الفطريات المسببة للعدوى أو توقف نموها، وذلك عن طريق استهداف مكونات الخلايا الفطرية، مثل جدار الخلية، ما يؤدي إلى موت الفطريات. من الأنواع الرئيسية لمضادات الفطريات واستخداماتها:
- مضادات الفطريات الموضعية: تأتي في شكل كريمات ومراهم وبخاخات ومساحيق وشامبو، ويمكن تطبيقها مباشرة على الجلد أو الأظافر أو الأغشية المخاطية. تُستخدم عادة في علاج قدم الرياضي والسعفة وقشرة الرأس.
- مضادات الفطريات الفموية: تُستخدم للالتهاب الأكثر شدة أو انتشاراً، كما في مرض القلاع الفموي وداء المبيضات المريئي والالتهابات الفطرية الجهازية.
- مضادات الفطريات المهبلية: هي أقراص أو كريمات مصممة خصيصاً للاستخدام المهبلي لعلاج التهابات الخميرة.
- مضادات الفطريات الوريدية: هي حقن في الوريد، تُستخدم في حالات العدوى الجهازية الشديدة التي تتطلب علاجاً قوياً.
ما هو الالتهاب؟
الالتهاب (inflammation) هو رد الفعل أو الاستجابة التي يطورها الجسم استجابة إلى كل ما يعتقد أنه خطر يهدد صحته؛ مثل تلف الأنسجة كما في الجروح والإصابات، والفيروسات والبكتيريا والفطور، والأجسام والمواد الغريبة مثل السموم والأشعة، وهو جزء من عملية الشفاء؛ يمكن القول إنه معركة يخوضها الجسم ويتحكم بها في المقام الأول الجهاز المناعي.
ثمة نوعان من الالتهاب:
- التهاب حاد: وهو استجابة الجسم على المدى القصير لمسبب الالتهاب. تظهر علاماته خلال ساعات، وقد تستمر حتى 6 أيام وفقاً للمسبب وموقع الإصابة والعوامل الفردية. على سبيل المثال، عندما تتعرض لالتواء في الكاحل أو لسعة نحلة أو جرح في إصبعك، يرسل الجهاز المناعي الخلايا الالتهابية والسيتوكينات لاحتجاز الميكروبات أو المواد الغريبة، وتُطلق الخلايا التالفة والخلايا المناعية مواد كيميائية مثل الهيستامين والبروستاغلاندين، ما يتسبب في تمدد الأوعية الدموية وزيادة نفاذيتها. تترافق هذه العملية بأعراض مثل الألم أو الاحمرار وتشكُّل القيح في منطقة الإصابة. وفي حالات العدوى، مثل الإنفلونزا أو نزلات البرد، تكون المعركة داخلية، وما يُشاهد منها هو التعب والضعف العام وارتفاع درجة الحرارة.
- الالتهاب المزمن: يحدث الالتهاب المزمن عندما يستمر الجسم في إرسال الخلايا الالتهابية لشهور وسنوات، حتى عندما لا يوجد خطر حقيقي، إما لأن الجسم لا يستطيع التخلص من مسبب الالتهاب، أو بسبب خلل في الجهاز المناعي يؤدي إلى مهاجمة الأنسجة السليمة عن طريق الخطأ، وهو ما يُعرف باضطرابات المناعة الذاتية، مثل الصدفية والتهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد.
هل يمكن علاج الالتهاب؟
نظراً إلى أن الالتهاب عملية طبيعية تساعد الجسم على الشفاء، فإنه غالباً لا يحتاج إلى علاج، مثل الجروح الطفيفة أو الكدمات أو الإنفلونزا. ولكن عندما يكون شديداً أو مزمناً، مثل التهاب المفاصل أو الربو أو مرض التهاب الأمعاء، فقد يكون ضاراً ويحتاج إلى علاج. يتضمن علاج الالتهاب مضادات التهاب تساعد على تخفيف الألم والتورم والأعراض الأخرى، وهي بذلك تختلف عن المضادات الحيوية التي تستهدف القضاء على الميكروب الحي المسبب للمرض.
ومن أنواع مضادات الالتهاب:
- مضادة الالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs): مثل الإيبوبروفين (تحت المسمى التجاري بروفين أو أدفيل)، لعلاج الصداع وآلام العضلات والتهاب المفاصل وتشنجات الدورة الشهرية، والنابروكسين لعلاج التهاب المفاصل والتهاب الأوتار وآلام الظهر، والأسبرين لتسكين الآلام والحمى.
- الكورتيكوستيرويدات: وهي مضادات التهاب أقوى مثل بريدنيزون الذي يُستخدم تحت الاسم التجاري دلتازون، لحالات مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والربو والحساسية ومرض التهاب الأمعاء، أو هيدروكورتيزون تحت المسمى التجاري سولو كورتيف، لعلاج الإكزيما والصدفية.
- مضادات الالتهاب الموضعية: كريمات أو جل يتم تطبيقها على الجلد، مثل الديكلوفيناك، تحت المسمى التجاري فولتارين، لعلاج هشاشة العظام في المفاصل القريبة من الجلد، مثل مفاصل اليدين والركبتين.
ما هو الإنتان (تعفن الدم)؟
الإنتان (Sepsis)، أو تعفن الدم، هو رد فعل التهابي شديد للجسم على العدوى (بكتيرية أو فيروسية أو فطرية) يمتد إلى كامل الجسم، وفيها يتوقف الجهاز المناعي عن محاربة العدوى، ويتحوّل إلى إتلاف الأنسجة والأعضاء الطبيعية.
يمر الإنتان بـ 3 مراحل:
- الإنتان: وصول العدوى إلى مجرى الدم وانتقالها معه لتسبب التهاباً في أنحاء الجسم كافة.
- الإنتان الشديد: هو مرحلة عدوى والتهاب شديدين بما يكفي للتأثير في عمل أعضاء الجسم.
- الصدمة الإنتانية: هي مرحلة متقدمة وخطيرة من الالتهاب وتسمم الدم، قد تؤدي إلى انخفاض كبير في ضغط الدم، وتكوّن جلطات في الأوعية الدموية، ما يحدّ من التروية الدموية للأعضاء، ويُنذر بإلحاق أضرار كبيرة بها أو حتى فشلها.
في النهاية قد تسبب الصدمة الإنتانية تلف الأنسجة وفشل الأعضاء، بما فيها الجهاز التنفسي أو القلب، والإصابة بسكتة دماغية، والموت إذا بقيت دون علاج عاجل.
قد تتشابه أعراض الإنتان مع أعراض الالتهاب، وتشمل عادة:
- حمى و/أو ارتعاش.
- الارتباك أو عدم القدرة على التوجه.
- صعوبة في التنفس.
- تسارع دقات القلب أو انخفاض ضغط الدم.
- ألم شديد.
- تعرق الجلد.
علاج الإنتان
يتطور الإنتان بسرعة إلى صدمة إنتانية وقد يسبب الوفاة إذا تُرك دون علاج. عادة ما يستخدم الأطباء علاجاً سريعاً يتضمن:
- المضادات الحيوية الوريدية لمحاربة العدوى.
- أدوية رفع ضغط الدم.
- الإنسولين لتثبيت نسبة السكر في الدم.
- الكورتيكوستيرويدات لتقليل الالتهاب.
- مسكنات الألم.
- السوائل الوريدية؛ للحفاظ على تدفق الدم إلى الأعضاء ومنع انخفاض ضغط الدم.
- إجراءات علاجية وفقاً للأعضاء التي تتعرّض للصدمة الإنتانية، مثل:
-
- استخدام جهاز تنفس صناعي.
- غسيل الكلى لتصفية النفايات الضارة والملح والماء الزائد من الدم في حال تأثرت الكلى بالإنتان.
- عمل جراحي لتصريف الخراج المليء بالقيح أو إزالة الأنسجة المصابة.
اقرأ أيضاً: كيف تُفرّق بين الإنتان الجرثومي والفيروسي والفطري؟ وكيف تُعالج كلاً منها؟
الاختلافات بين العدوى والالتهاب والإنتان
إذاً، يمكن القول إن العدوى تثير رد فعل في الجسم يدعى الالتهاب، وفي حالات متطورة وأشد خطراً يمتد الالتهاب إلى أعضاء الجسم الأخرى مسبباً الإنتان.
ومع ذلك، بينما تعد العدوى بالميكروبات هي المسبب الوحيد للإنتان، فإن الالتهاب قد يحدث بسبب العدوى أو بسبب تلف في الأنسجة أو أجسام ومواد غريبة مثل السموم والأشعة.
إضافة إلى أن العدوى يمكنها الانتقال بين الأشخاص، إلا أن الإنتان بحد ذاته ليس معدياً، وإنما يمكن للميكروب الذي سبّبه أن ينقل العدوى. وكذلك الأمر بالنسبة للالتهاب، فيما لو كان سببه كائناً حياً، أما لو كان يحدث لأسباب أخرى مثل السموم والحساسية، فإنه غير معد على الإطلاق.
أما بالنسبة للعلاجات، فإن علاج العدوى يختلف باختلاف نوع الميكروب، فبينما يمكن علاج البكتيريا بالمضادات الحيوية وفقاً لشروط محددة وضمن مشورة الطبيب، فإن العدوى الفيروسية يمكن علاجها بمضادات فيروسية تقضي على الفيروس، أو قد تثبطه فقط. وفي حالات أخرى، مثل نزلات البرد، لا تجدي المضادات الفيروسية نفعاً، بل يكفي بعض المسكنات التي تخفف حدة الأعراض.
أما بالنسبة للالتهاب، فإن علاجه يتضمن مضادات التهاب تساعد على تخفيف الألم والتورم والأعراض الأخرى المرافقة للالتهاب، أي إنه يستهدف علاج الأعراض وليس القضاء على الميكروب، في حال كان سببه الميكروبات.
أما الإنتان، فإنه يتضمن كورساً علاجياً شاملاً وفورياً يختلف باختلاف الحالة والأعضاء المتأثرة.