قالت السيدة بي وهي تشير إلى بشرة ابنها الجافة والحمراء والمصابة بالحكة: "لم نحظَ بنوم ليلة كاملة منذ ولادة ابننا قبل 8 سنوات". عانى ابنها الإكزيما طوال حياته. يحمل هذا المرض أيضاً اسم التهاب الجلد التأتبي، وهو مرض جلدي مزمن يصيب نحو طفل واحد من أصل كل 5 أطفال في الدول الصناعية.
اقرأ أيضاً: ما أسباب حدوث التهاب الجلد التماسي (السماط)؟ وكيف يُعالج منزلياً بطرق طبيعية؟
بيّن بعض الدراسات أن معدلات الإصابة بالإكزيما في الدول النامية أقل بثلاثين ضعفاً مقارنة بالدول الصناعية. مع ذلك، لم ترتفع معدلات الإكزيما مع الثورة الصناعية التي بدأت قرابة عام 1760. بدلاً من ذلك، بدأت معدلات الإكزيما بالارتفاع بسرعة في بلدان مثل الولايات المتحدة وفنلندا وغيرها قرابة عام 1970. والسؤال هو، ما الذي تسبب بهذا الارتفاع في معدلات الإكزيما؟ أنا متخصص في الحساسية والمناعة أعمل مع فريق من الباحثين لدراسة التوجهات في معدلات الإكزيما في الولايات المتحدة.
يعلم العلماء أن العوامل مثل اتباع الأنظمة الغذائية الغنية بالأطعمة المعالجة والتعرض لبعض المنظفات والمواد الكيميائية يزيد خطر الإصابة بالإكزيما. يزيد كل من العيش بالقرب من المصانع أو الطرق الرئيسية والتعرض لحرائق الغابات خطر الإصابة بهذا المرض. قد يحدث التعرض البيئي أيضاً داخل المنازل من خلال الطلاء أو البلاستيك أو دخان السجائر أو الأقمشة الاصطناعية مثل الإسباندكس والنايلون والبوليستر. على الرغم من أن الباحثين ركزوا في دراستهم على العوامل الوراثية المتعلقة بهذا المرض، فإن أفضل مؤشر للتنبؤ باحتمال إصابة الأطفال بالإكزيما لا يكمن في جيناتهم بل في البيئة التي عاشوا فيها خلال السنوات القليلة الأولى من حياتهم.
عوامل في الجو
بدأنا البحث عن بؤر الانتشار المحتملة للإكزيما في محاولة لتحديد التغيرات البيئية التي ربما تسببت بارتفاع حاد في معدلات هذا المرض في الولايات المتحدة، أي الأماكن التي كانت معدلات الإصابة بالإكزيما فيها أعلى بكثير من المعدل الوطني. بعد ذلك، راجعنا قواعد البيانات من وكالة حماية البيئة الأميركية لتحديد المواد الكيميائية الأكثر شيوعاً في تلك المناطق. برزت في البيانات التي بحثنا فيها فئتان من المواد الكيميائية التي قد تسهم في الإصابة بالإكزيما وأمراض الحساسية التي تتطور معها روتينياً، مثل حساسية الفول السوداني والربو، وهي المركبات الثنائية الإيزوسيانات والزيلين.
صُنعت المركبات الثنائية الإيزوسيانات أول مرة في الولايات المتحدة قرابة عام 1970 لإنتاج الإسباندكس والرغوة غير المصنوعة من اللثأ (الليتكس) والطلاء والبولي يوريثان. كما ارتفع معدل تصنيع الزيلين قرابة ذلك الوقت، إلى جانب زيادة إنتاج البوليستر والمواد الأخرى. يوجد المكون النشط كيميائياً للجزيئات الثنائية الإيزوسيانات وجزيئات الزيلين في دخان السجائر ونواتج حرائق الغابات.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: المواد الكيميائية الأبدية التي نتعرض لها يومياً ترفع معدلات الإصابة بالسرطان
أصبح كل من الزيلين والإيزوسيانات من مكونات غازات عوادم السيارات عندما زُوّدت السيارات الجديدة جميعها بتكنولوجيا جديدة تحول غازات العوادم إلى مواد كيميائية أقل سمية بعد عام 1975. اكتشف العلماء في الأبحاث أن تعريض الفئران للإيزوسيانات والزيلين يمكن أن يتسبب مباشرة بالإكزيما والحكة والالتهاب من خلال زيادة نشاط المستقبلات التي تؤدي دوراً في شعور الحكة والألم والإحساس بالحرارة. بالإضافة إلى ذلك، كان نشاط هذه المستقبلات أكبر لدى الفئران التي اتبعت أنظمة غذائية غير صحية. ما يزال من غير الواضح كيف تمكن مقارنة تأثير التعريض المباشر للفئران لهذه السموم بتأثير مستويات التعرض المعتادة لدى البشر. كيف يمكن أن تكون هذه المواد الكيميائية مرتبطة بارتفاع معدلات الإكزيما، وما سبب ذلك؟
ميكروبيوم الجلد والتلوث
تغطّي ملايين الكائنات الحية الدقيقة جلد البشر، ويشار إليها مجتمعة باسم "ميكروبيوم الجلد". على الرغم من أن الباحثين لا يعرفون الآليات جميعها التي تفيد وفقها البكتيريا النافعة البشرة، فإنهم يعلمون أن البشر يحتاجون إلى هذه الكائنات الحية لتركيب أنواع معينة من الدهون، أو الزيوت، التي تحافظ على عزل الجلد عن البيئة وتقي من العدوى. على الأرجح أن المرطّبات ومنتجات البشرة الأخرى التي تحتوي على السيراميدات مألوفة بالنسبة لك، وهذه السيراميدات هي مجموعة من الدهون تؤدي دوراً مهماً في حماية البشرة.
كمية السيراميدات والمركبات ذات الصلة في بشرة الطفل خلال الأسابيع القليلة الأولى من عمره هي مؤشر متسق ومهم لخطر إصابته بالإكزيما. يزيد خطر الإصابة بالإكزيما مع انخفاض نسبة السيراميدات. استخدمت أنا وفريقي بكتيريا الجلد كما استُخدمت طيور الكناري للكشف عن المواد السامة في مناجم الفحم في القرن العشرين لتحديد السموم التي يمكن أن تمنع تركيب هذه الدهون المفيدة التي تقي من الإصابة بالإكزيما.
عرّضنا في المختبر البكتيريا التي تركّب السيراميدات مباشرة (مثل بكتيريا روزيوموناس موكوسا، Roseomonas mucosa) والبكتيريا التي تساعد الجسم على تركيب السيراميدات بنفسه (مثل العنقودية البشروية، Staphylococcus epidermidis) والبكتيريا التي تركب الدهون المفيدة الأخرى (مثل المكورات العنقودية كوهني، Staphylococcus cohnii) للإيزوسيانات والزيلين.
حرصنا على تعريض البكتيريا لمستويات من هذه المواد الكيميائية مشابهة لتلك التي يتعرض لها البشر في الواقع، مثل المستويات القياسية التي تصدرها المصانع أو تلك الموجودة في أبخرة غراء البولي يوريثان الصادرة عن متاجر الأجهزة والأدوات المنزلية. لاحظنا أن تعريض هذه البكتيريا للإيزوسيانات أو الزيلين منعها عن تركيب السيراميدات وحفّزها على تركيب الحموض الأمينية مثل الليسين.
يساعد الليسين على حماية البكتيريا من السموم، ولكنه لا يوفر الفوائد الصحية نفسها التي توفرها السيراميدات. بعد ذلك، قيّمنا تأثير ملاءات الأسرة المصنعة من الإيزوسيانات أو الزيلين في بكتيريا الجلد. اكتشفنا أن البكتيريا الضارة مثل المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus) تتكاثر على النايلون والإسباندكس والبوليستر، لكنها لا تستطيع البقاء على قيد الحياة في القطن أو الأقمشة المصنوعة من الخيزران. تستطيع البكتيريا التي تساعد على الحفاظ على صحة الجلد العيش على أي نوع من القماش، ولكن انخفضت كمية الدهون المفيدة التي تركّبها إلى أقل من نصف المستويات التي تركبها عندما تنمو على الأقمشة مثل القطن، وهو انخفاض مماثل لذلك الناجم عن تلوث الهواء.
اقرأ أيضاً: تقنية جديدة تساعد مَن يعيشون في مناطق شديدة التلوث في الحصول على مياه نظيفة من الضباب
تناول مسألة تأثير التلوث في الجلد
ما الإجراءات التي يمكن اتخاذها حيال مسالة العلاقة بين التلوث والإكزيما؟ يمكن أن تساعد أجهزة الكشف القادرة على استشعار المستويات المنخفضة من الإيزوسيانات أو الزيلين على تتبع الملوثات والتنبؤ بنوبات الإكزيما عبر مجتمع كامل. كما يستطيع الباحثون استخدام أجهزة الكشف الأكثر كفاءة لتحديد أنظمة تنقية الهواء التي يمكن أن تزيل هذه المواد الكيميائية من البيئة. يستطيع الأميركيون استخدام أداة متتبع السموم التابعة لوكالة حماية البيئة للبحث عن الملوثات الأكثر شيوعاً في الأماكن القريبة من منازلهم. وفي الوقت نفسه، قد يتطلب تعزيز التوازن الميكروبي في الجسم تجنب المنتجات التي تحد نمو بكتيريا الجلد الصحية. قد تشمل هذه بعض منتجات العناية بالبشرة والمنظفات والمطهّرات.
قد يُفضّل تجنب دخان السجائر والأقمشة الاصطناعية والرغاوي غير المصنوعة من اللثأ والبولي يوريثان وبعض أنوع الطلاء، لا سيما بالنسبة للأطفال دون سن 4 سنوات. قد يساعد أيضاً استبدال البكتيريا التي تعرضت لهذه المواد الكيميائية على نحو مفرط. على سبيل المثال، بيّنت الأبحاث التي أجريتها أن استخدام بكتيريا روزيوموناس موكوسا، وهي بكتيريا مركِّبة للسيراميدات تعيش على الجلد السليم، يمكن أن يؤدي إلى تخفيف أعراض الإكزيما النموذجية عدة أشهر مقارنة بالعلاج الوهمي. يدرس الباحثون أيضاً استخدام علاجات بروبيوتيكية محتملة أخرى للإكزيما. يمكن أن يساعد تقييم الأسباب البيئية للأمراض التي أصبحت أكثر شيوعاً في العالم الذي يعتمد أكثر على الصناعة على حماية الأطفال من المحفزات الكيميائية للحالات مثل الإكزيما. وأعتقد أن ذلك سيتيح لنا إيقاف انتشار هذه الأمراض يوماً ما.