شمال شرق المحيط الهادئ هو موطن لمجموعة مذهلة من الكائنات البحرية، من قنافذ البحر الشائكة ونجوم البحر المتعددة الأذرع إلى عاريات الخيشوم الناعمة التي تتمتّع بلون حبات الليمون والبرنقيلات التي تلتصق رؤوسها بالصخور. يمكننا أن نرى عند التجول على شاطئ البحر أو الغوص تحت سطح المحيط أشكال هذه الكائنات وهي بالغة، ولكن كيف كانت أشكالها عندما كانت في مراحلها المبكرة؟ قبل أن تستقر هذه الحيوانات (حرفياً) وتنتقل إلى قاع البحر، تبدأ حياتها على شكل عوالق حيوانية، وهي حيوانات بحرية تطفو على غير هدى في تيارات المحيط.
على الرغم من أن العوالق الحيوانية والعوالق النباتية، وهي العوالق التي تتغذى عليها أغلبية العوالق الحيوانية، تعيش في الماء على مدار العام، فإن أعدادها تزداد زيادة كبيرة في وقتٍ مبكر من العام. تصبح الأيام أطول في فصل الربيع، وتسخن المياه قليلاً وتتدفق المغذيات إلى طبقات المحيط السطحية من اليابسة أو من المياه العميقة، وتزدهر العوالق النباتية. العوالق النباتية هي كائنات مجهرية، ولكن يتسبب كلٌّ من الكلوروفيل وأصباغ التركيب الضوئي الأخرى التي توجد داخلها بتغيير لون المحيط مع زيادة أعدادها، ويمكن قياس هذه التغييرات من خلال صور الأقمار الاصطناعية، كما أنها تصبح مرئية للعين البشرية إذا كانت تركيزاتها مرتفعة بما يكفي.
تبشّر الزيادة السريعة في أعداد العوالق النباتية ببدء الربيع البيولوجي في المحيط؛ إذ تتكاثر العوالق الحيوانية بالترافق مع التدفق المفاجئ للطعام. تختلف استراتيجيات التكاثر التي تتبعها الحيوانات التي تنتج صغار العوالق باختلاف الحيوانات. يستخدم العديد من الحيوانات ذات الحركة الموضعية أو البطيئة الحركة، مثل المرجان وقنافذ البحر، تقنية للتواصل الجماعي تُسمَّى "التفريخ الإذاعي" (broadcast spawning). تُطلق هذه الحيوانات مليارات الأعراس على نحو متزامن، تطبيقاً لاستراتيجية تنصُّ على أن بعض البويضات والحيوانات المنوية ستلتقي حتى يحدث الإخصاب. البرنقيلات، مثل البرنقيل البلوطي الشائع الذي يعيش في منطقة المد والجزر، هي خنثى، وهي تستخدم قضيباً مرناً وطويلاً لتخصيب بيوض البرنقيلات المجاورة. تتطور البويضة المخصبة داخل القوقعة الواقية التي تشبه البركان في جسم الحيوان الأم حتى تفقس على شكل يرقة تُطرد إلى الخارج. سواء أُطلقت هذه الكائنات على شكل أعراس أو بيوض مخصبة أو يرقات، فإنها تصبح جزءاً من مزيج أنواع الحياة المجهرية في مياه البحر. على الرغم من أن العديد من الحيوانات يقضي وقتاً قصيراً فقط في هذا المزيج قبل أن يستقر في قاع البحر أو يكتسب قدرة أكبر على الحركة، يعيش بعض الأنواع بقية حياته على شكل عوالق حيوانية.
اقرأ أيضاً: العلماء يبتكرون طريقة جديدة لتتبع يرقات المرجان من خلال «صبغها»
قضى زملاؤنا في مرصد جزيرة كوادرا البيئي التابع لمعهد هاكاي في مقاطعة كولومبيا البريطانية أكثر من 3 سنوات في جمع عينات من العوالق الحيوانية وتصويرها في المياه قبالة الشاطئ الشرقي لجزيرة كوادرا، وهي منطقة تتمتع بتنوع بيولوجي كبير يلتقي فيها التدفق الخارجي من المضائق الجليدية الغني بالمغذيات مع الحد الشمالي لبحر ساليش. اهتم فريق البحث بصورة خاصة بالتقاط صور لأشكال الحياة اليرقية التي لا يعلم عنها العلماء الكثير. غرابة الأشكال اليرقية للكائنات البحرية الرائجة مثيرة للدهشة، بأعينها الضخمة على عُنيقاتها وأنوفها الشائكة وأجسامها الشفافة التي لا تشبه نظيراتها لدى الحيوانات البالغة.
تمر البرنقيلات بعدة مراحل يرقية تسبح فيها بحرية، مثل العديد من اللافقاريات البحرية. تتخلى هذه الحيوانات عن قواقع البرنقيلات البالغة التي تحميها وتخرج على شكل يرقات نوبليوس (nauplius) تشبه الدروع (الصورة الأولى)، مع زوائد ريشية وعين واحدة. تنسلخ هذه اليرقات 6 مرات، ما يؤدي إلى إضافة المزيد من الأجزاء والزوائد. يُطلق العلماء على البرنقيلات الصغيرة بعد انسلاخها الأخير اسم "يرقات سيبرِد" (cyprid، الصورة الثانية). تغوص اليرقة في هذه المرحلة إلى قاع المحيط وتبدأ البحث عن سطح صلب لتلتصق به. بما أن البرنقيلات تحتاج إلى برنقيلات أخرى قريبة للتكاثر، تلمس يرقات سيبرِد الأسطح بقرون الاستشعار الخاصة بها لتتحسس روائح الأفراد الآخرين. بمجرد العثور على مكان مناسب، تفرز اليرقات كمية من الغراء الذي يُثبت رأسها على السطح، ثم تنمو لتصبح برنقيلات بالغة تمتلك قوقعة مخروطية الشكل.
هذا الكائن المجنح الجميل هو نوع من الحلزونات البحرية المفترسة ينتمي إلى عائلة مانغيليداي (Mangeliidae) ويمر في مرحلة حاملة الغشاء. الأجنحة، أو الأغشية، مغطاة بشعر مجهري يسمى "الأهداب". تولّد الأهداب المتحركة بانتظام تيارات تلتقط الكائنات، مثل الدياتومات التي تتغذّى عليها، لليرقات التي تنمو. تكتسب اليرقة في أثناء نموها الأجزاء الأكثر بروزاً في الحلزونات البالغة، مثل القوقعة والأقدام واللوامس. تمر يرقات الحلزونات البحرية في نهاية المطاف بعملية تُسمَّى "الفتل"، وهي عبارة عن التواء بزاوية 180 درجة يحرك الجزء الخلفي من الحيوان نحو رأسه. عندما تنتهي المرحلة الشبيهة بالعوالق من حياة الحلزون، تستقر حاملات الغشاء في قاع البحر وتنمو إلى حلزونات بالغة.
يمر نجم البحر بعدة مراحل عندما يكوّن يرقة تسبح بحرية. في البداية، يكون جسم اليرقة مكسواً بأهداب تتحرك في انسجام تام يمنحها قدرة محدودة على التحكم بحركتها. عندما يصل الحيوان إلى مرحلة بيبيناريا (bipinnaria) في عملية التحول (الصورة الأولى)، تتجمع الأهداب في حزم بارزة وتبدأ الأذرع بالتشكل. تتطور الأمعاء أيضاً في هذه المرحلة، وتبدأ يرقات نجم البحر بالتغذّي. اعتماداً على النوع، يمكن أن يقضي نجم البحر عدة أسابيع أو أشهر في مرحلة بيبيناريا قبل اكتساب عضو ماص والمزيد من الأذرع في نهايته الأمامية والتطور إلى يرقة البراكيولاريا (الصورة الثانية). تستقر يرقات البراكيولاريا في قاع البحر في النهاية، ويلتصق عضوها الماص بالقاع أولاً ثم تنمو لتصبح بالغة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن الاستفادة من نجوم البحر في استصلاح غابات عشب البحر؟
يصنّف العلماء الحيوانات حسب تناظرها غالباً. على سبيل المثال، البشر متناظرون ثنائياً، أي أن النصف الأيمن من الجسم مطابق للنصف الأيسر. يكون نجم البحر متناظراً ثنائياً حتى يستقر في القاع. يتغير تناظر اليرقة مع تحولها إلى حيوان بالغ، وتكتسب تناظراً شعاعياً. (تتمتعّ أغلبية نجوم البحر البالغة وأقاربها ذات البشرة الشوكية، أو شوكيات الجلد، بتناظر شعاعي خماسي، مع تصميم جسم خماسي). تبين أبحاث جديدة أن هذا التحول في الشكل يحدث لأن الأنسجة المكافئة وراثياً "لرأس" نجم البحر منتشرة في أطرافه وجلده.
في حين أن استنتاج أشكال بعض العوالق قبل بلوغها من أشكالها بعد البلوغ غير ممكن، يُخلَق بعضها الآخر على شكل نسخة مصغرة عن أشكال الآباء. هذا الحبار البرّاق الصغير هو واحد من المئات التي فقست من كبسولة بيضية تشبه شكل قطعة المخلل؛ إذ تضع إناث الحبار البالغة عدداً كبيراً من هذه الكبسولات في المياه الضحلة الرملية بعد أحداث التكاثر الجماعي ثم تتركها لمصيرها. إذا نجت البيوض المغطاة بالهلام من الحيوانات المفترسة الانتهازية والأمواج التي لا ترحم والمد والجزر القاسيين، يخرج الصغار الذين تبلغ أحجامهم حجم حبة الأرز، والذين يحملون اسم البارالارفا (paralarvae)، بعد عدة أسابيع ويبدؤون التحرك مع التيارات. على مدى الشهر التالي أو نحو ذلك، يكتسب الصغار مهارات السباحة التي تُتيح لهم التخلي عن نمط حياة العوالق والصيد على نحو جديّ. لكن هذه الكائنات لا تستطيع دفع أنفسها في أيامها الأولى إلا بنبضات قصيرة في أثناء مهاجمتها مجذافيات الأرجل وفرائس أخرى من العوالق الحيوانية. مع ذلك، فهي لا تعيش باستقلالية منذ البداية؛ إذ إنها تخرج من البيوض مع أكياس داخلية، وهي مخازن غذائية تُتيح للصغار صقل مهاراتهم في الصيد.
لا يتجاوز قطر قنديل البحر العادي الصغير قطر رأس الدبوس، لكنه لا يبقى صغيراً لهذه الدرجة فترة طويلة. ينتمي هذا القنديل إلى طائفة الفنجانيات، أو قناديل البحر الحقيقية، وهي قناديل البحر الكبيرة والملونة عادة والتي يعرفها معظم الناس. لكن الأشكال اليرقية المجهرية لهذه القناديل ليست معروفة بالقدر نفسه، وهي تحمل اسم الإفيرات (ephyrae). هذا الإفيرا الذي يشبه ندفة الثلج هو واحد من العديد من النسخ التي انبثقت من البوليب الأب، وهو يمر في مرحلة الحركة الموضعية من دورة حياة قناديل البحر ويلتصق بالصخور أو الأرصفة البحرية أو الأسطح الأخرى، ثم ينجرف في المحيط الكبير لاحقاً. تُوَقَّت عملية التبرعم هذه، التي تسمى التكاثر التشدفي، على نحو مثالي مع الزيادة الكبيرة في أعداد العوالق خلال الربيع، ما يعني أن أعداد فرائس الإفيرات الحديثة التشكّل ستكون كبيرة. يبدو أن نشوءها في الفترات التي تكون فيها درجات الحرارة مناسبة هو سر قدرة هذه الكائنات على النمو. في حين أن قناديل البحر العادية البالغة، التي لا تزال من العوالق على الرغم من حجمها، تعيش في المياه الساحلية في شمال شرق المحيط الهادئ على مدار العام، فإن الإفيرات التي تنتجها انتقائية أكثر من حيث الظروف المناخية. إذا كان المناخ حاراً للغاية، ستُصاب هذه الإفيرات بالإجهاد وتموت، لكنها لن تزدهر إذا كان المناخ بارداً للغاية.
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع قناديل البحر التعلم على الرغم من عدم امتلاكها دماغاً مركزياً؟
على الرغم من أن هذه الصورة تُظهر ما يبدو أنه افتراس قناديل البحر من قبل قناديل البحر الأخرى، فإنها تعكس في الواقع عملية التكاثر الوحشية لهذه الكائنات. على الرغم من أن حجم القنديل الهدري البالغ هذا، وهو أحد أقارب قناديل البحر الحقيقية، لا يتجاوز حجم رأس الإصبع، فإنه يمر في مرحلة برعمة كائن أصغر حجماً من جدار معدته. عندما تصل قناديل البحر البالغة إلى مرحلة النضج، فإنها تُطلق عادة الحيوانات المنوية أو البيوض التي تتطور معاً مشكّلة البوليبات. لكن تدفع الظروف البيئية، مثل درجة الحرارة، القناديل الهدرية أحياناً لتغيير طريقة التكاثر وتشكيل نسخ مصغرة من أنفسها كهذه. في حين أن هذا النوع من التكاثر ليس هو القاعدة بالنسبة لقناديل البحر الهدرية، فإنه ليس نادراً أيضاً؛ إذ إنه من المعروف أن ما لا يقل عن 50 نوعاً حول العالم ينتج مستنسخات من جزء أو آخر من الجسم.
تُعدّ مجذافيات الأرجل، وهي قشريات مائية صغيرة تنتمي إلى إحدى المجموعات السائدة من العوالق الحيوانية، من أكثر الحيوانات المتعددة الخلايا وفرة في العالم. تعيش أغلبية مجذافيات الأرجل البحرية حياة حرة، ويقضي العديد منها حياته كلها على شكل عوالق، لكن يشكّل بعض الأنواع علاقات تكافلية أو طفيلية مع الكائنات الحية الأخرى. تركت هذه الإناث من رتبة مونستريلوديا (Monstrilloida) الطفيلية مضيفيها الذين يعيشون في القاع للتكاثر في عمود الماء. على عكس العديد من العوالق التي تتبع طريقة الغرق أو السباحة للتكاثر، فإنها توفر بعض الرعاية الأبوية لصغارها. يبلغ طول الأنثى في الصورة الأولى ملليمترين فقط (أصغر من حبة السمسم)، وهي تحمل مجموعة من البيوض الخضراء اللامعة التي تملأ معظم جسدها. تستطيع الأنثى تخصيص هذا الحيز الكبير لصغارها المستقبليين لأن الأفراد البالغين لا يتغذون، لذا فهم لا يحتاجون إلى أمعاء كبيرة. بدلاً من ذلك، هذه الإناث مكرّسة فيزيولوجياً لإنتاج الجيل التالي من "الوحوش الصغيرة" (أصل الكلمة "Monstrilla"، أول جنس موصوف في هذه المجموعة). تنتقل البيوض بمجرد الإخصاب خارج جسم الأم إلى عمود فقري خلفي طويل، كما هو الحال لدى الأنثى في الصورة الثانية، ويثبّتها المخاط في مكانها حتى تفقس مجذافيات الأرجل الصغيرة على شكل يرقات تحمل اسم النوبلياي (nauplii). سرعان ما تترك هذه اليرقات مجتمع العوالق لتغزو المضيفات وتنمو بصفتها طفيليات حتى تصبح مستعدة لإكمال دورة حياتها.
اقرأ ايضاً: ما هي أهمية قشريات الكريل في الحلقة الغذائية لمخلوقات المحيط الأخرى؟
تشابه يرقة الغلالة البنفسجية هذه مع شراغيف الضفادع ليس صدفة. الغلاليات هي من الحبليات، وهي حيوانات تمتلك في مرحلة ما من حياتها حبلاً ظهرياً (سلف العمود الفقري) وحبلاً عصبياً. يعني ذلك أن الحبليات هي من الأقارب البعيدة للبشر. هذه قرابة غير متوقعة، لا سيما أن الغلاليات البالغة هي غالباً كتل جيلاتينية ملونة لا أكثر. يتحول كل من الحبل الظهري والحبل العصبي لدى الفقاريات إلى العمود الفقري والحبل الشوكي في نهاية المطاف، لكنهما يختفيان لدى الغلاليات بعد هذه المرحلة اليرقية القصيرة. بعد الحضانة مدة شهر داخل أحد أبويه الخنثويين، يخرج شرغوف الغلالة البنفسجية ويبقى في عمود الماء مدة يوم أو يومين، بينما يبحث عن مكان مناسب ليستقر فيه. بمجرد أن يلصق الشرغوف رأسه على سطح صلب، سواء كان رصيفاً بحرياً أو ركاماً متراصّاً أو قطعة من الأعشاب البحرية، يفقد تشابهه مع الفقاريات. يعيد الشرغوف امتصاص ذيله عندما يصل إلى شكله النهائي، ثم يبدأ الأكل والتكاثر سريعاً لبناء مستعمرة كبيرة.
"خوذة السباحة" هذه هي يرقة الدودة الخرطومية، وهي ديدان بحرية غير مجزأة تتمتع بخراطيم قابلة للسحب مثيرة للإعجاب تستخدمها لطعن فرائسها. تتكاثر هذه الديدان من خلال الاستجابة للإشارات الكيميائية في الماء والتجمّع في كرات التزاوج لإجراء عمليات تكاثر منسقة. تتطور البويضات المخصبة في بعض الأنواع إلى يرقات تسبح بحرية، مثل هذه التي تسمى "البيليديوم" (pilidium). يتطور حدث صغير يشبه الدودة داخل البيليديوم في أثناء التحول. وعندما تنتهي مرحلة العوالق، يخرج هذا الحدث من البيليديوم ويلتهم أنسجته اليرقانية ويتجه إلى قاع البحر لبدء حياته بصفته بالغاً قاعياً.
يتكاثر ذكر السرطان الناسك بوضع حيواناته المنوية بالقرب من بطن الأنثى بعد أن تسلخ قشرتها مباشرة. تخزّن الأنثى الحيوانات المنوية حتى تشكّل تجمّعات من عدة مئات من البويضات وحتى تصبح الظروف مناسبة للإخصاب. بعد ذلك، تحضن الأنثى البيوض وتوفّر لها درجة ما من الحماية. (تُجري الإناث عدة عمليات حضن في السنة). تفقس سرطانات الناسك الصغيرة على شكل زويّات (Zoeae)، كما تبين الصورة الأولى. تساعد الأشواك الطويلة وقرون الاستشعار المهدبة هذه الزويات على الطفو. تمر الزويّا بنحو 4 انسلاخات وتتحول في النهاية إلى الميغالوبا (megalopa)، كما تبين الصورة الثانية. تكون السرطانات صغيرة الحجم في هذه المرحلة لكنها تشبه السرطانات البالغة إلى حد كبير. بما أن بطون سرطانات الناسك لا تغطّى بهيكل خارجي صلب، تدخل الصغار داخل التجويف اللولبي الشكل لقوقعة حلزون فارغة لتحمي نفسها. إذا كان الغذاء نادراً أو لم تعثر السرطانات على القواقع، فهي تبقى في مرحلة العوالق فترة أطول قبل أن تستقر في قاع البحر.
مثل أقاربها من سرطانات الناسك، تبدأ السرطانات الحقيقية حياتها على شكل زويّات ذات مظهر شوكي ثم تتحول إلى ميغالوبات. خلال هذه المرحلة اليرقية الأخيرة القصيرة نسبياً، تكون أغلبية الميغالوبات السرطانية الضخمة من العوالق وتستخدم ذيولها للسباحة. لكنها أيضاً تثني ذيولها تجاه بطونها، كما تبين هذه الصورة للسرطان المزخرِف الجميل، بينما تُجري أحياناً غزوات إلى قاع البحر لتحرّك أرجلها وتمشي استعداداً لحياتها في القاع. مع ذلك، يجب أن ينتظر ميغالوب السرطان المزخرف هذا قبل اختبار مهارته التي سُمي نسبة لها. تُعدّ السرطانات البالغة من هذا النوع من أكثر المزخرفات غزارة في الإنتاج في شمال شرق المحيط الهادئ؛ إذ إنها تقطع باستخدام بنى معقوفة متخصصة أجزاءً من الكائنات التي تعيش في بيئتها، مثل الطحالب والإسفنجيات، وتزين أجسادها بهذه المواد المموهة. لكن اليرقات لا تستطيع زخرفة نفسها إلا عندما تستقر في قاع البحر حتى نهاية حياتها. تكتسب هذه اليرقات الخطافات بينما تدخل في مرحلة اليفاعة، وتبدأ على الفور بتزيين أجسامها بالكامل.
تختلف الطريقة التي تعيش بها كثيرات الأشعار (المعروفة باسم "الديدان الشعرية") حياتها كثيراً باختلاف الفرد، ويشمل ذلك طرق إنتاج الجيل التالي. على سبيل المثال، كثيرات الأشعار البالغة التي تنتمي إلى بعض المجموعات التي تعيش في قاع البحر تتبع الإشارات البيئية، مثل أطوار القمر، لتتحول جزئياً أو كلياً إلى ديدان قادرة على السباحة. تمر هذه الديدان في مرحلة العوالق فترة قصيرة، وتتجمع بأعداد كبيرة لوضع بيوضها في المياه السطحية. وتقتصر عملية التكاثر على إطلاق بعض هذه الديدان السابحة المحتشدة الأعراس بالقرب من الشركاء الجنسيين. لكن عملية التكاثر لدى بعض الأنواع الأخرى تضم عدداً أكبر من المراحل، مثل تلك التي تجريها دودة القلادة النبيلة المحملة بالبيض هذه، والتي انخرطت في حدث التكاثر لجمع الحيوانات المنوية. بمجرد تخصيب البيوض التي تخزنها هذه الديدان في كيس حَضن خارجي، فإنها ستسبح مجدداً إلى قاع البحر وهي في فترة الحضانة. وعندما يحين وقت خروج الصغار إلى الماء بمفردهم، تظهر الأم مرة أخرى بين العوالق لتحرير يرقاتها النامية.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف الآليات والجينات وراء قدرة بعض أنواع الفطور على افتراس الديدان
لا يوحي اسم "يرقة الدودة المشعرة" بأن هذه اليرقة جميلة، لكن صغار كثيرات الأشعار تتميز بجمال خاص. هذا الكائن الشبيه باليرقات هو يرقة دودة الرق، وهي نوع من كثيرات الأشعار التي تعيش عند بلوغها حياة غامضة في أنبوب طويل وضيق تبنيه في قاع البحر. لكن مثل غيرها من كثيرات الأشعار، تبدأ ديدان الرق حياتها على شكل فقاعة نشطة تُسمَّى "حاملة العجل" (trochophore). تأخذ حاملات العجل شكل اللوالب، وهي تتمتّع في البداية بالقليل من السمات المميزة إلى جانب رأسها وعينيها ومجموعة من الأهداب التي تستخدمها للحركة. تبدأ هذه اليرقات في أثناء نموها تطوير أجزاء من الجسم واكتساب الشعيرات التي سُميت نسبة لها، إضافة إلى أنها تكتسب أشكالاً مميزة أكثر، مثل الفم الضخم لليرقة في هذه الصورة والنهاية الخلفية التي لها شكل نحلة طنانة.